بعض اسماء و إنجازات لباحثات تونسيات تستحق المعرفة
لا تكاد تخلو سنوات العقد الماضي من إنجازات دولية للمرأة التونسية في مجال البحث العلمي والابتكار وكان لها حضور بارز في مجال البحث العلمي والابتكار أهّلها إلى رفع راية البلاد عاليا في أكثر المحافل الدولية. وأصبحت العديد من العالمات والمخترعات نجمات بفضل إنجازاتهن الدولية.
وبشكل غير مسبوق تم الإعلان عن تنصيب الباحثة المخترعة التونسية حياة العمري رئيسة شرفية للفدرالية الفرنسية للمخترعين، وكان ذلك تتويجا لسلسلة من النجاحات حصدت خلالها المهندسة ودكتورة الكيمياء العديد من الجوائز الدولية في مجال الاختراع.
و حصلت العمري، ابنة مدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد، على ثلاث جوائز عالمية في المسابقة الدولية للمخترعين المنعقدة بمدينة كان الفرنسية وهي الجائزة الكبرى الفرنكوفونية، والتانيت الذهبي للجمهورية الفرنسية، والميدالية الذهبية لمسابقة الفدرالية الأوروبية للمخترعين.
وتدخل إنجازات الباحثة التونسية في مجال الكيمياء التطبيقية وتتمثل في إيجاد طرق مختلفة لتثمين مادة الفوسفوجيبس وهي النفايات التي تنتج بعد تحويل الفوسفات الطبيعي لإنتاج الحامض الفوسفوري وتمثل معضلة بيئية كبيرة. وقد حصلت العمري على خمس براءات اختراع في هذا المجال.
تتويجات دولية
ولم تكن حياة العمري وحدها الفراشة التي صنعت ربيع تألق العنصر النسائي في مجال البحث العلمي في تونس، فقد سبقتها أسماء لامعة أخرى في مختلف المجالات العلمية. أحد هذه الأسماء هو الأكاديمية منيرة هماني الباحثة في مجال الوراثة الجزئية البشرية بمركز البيوتكنولوجيا بصفاقس والأستاذة المحاضرة بكلية العلوم بصفاقس التي قادت بحوثا علمية عن العوامل الوراثية المسؤولة عن مرض الربو ومرض الصمم الوراثي.
وقد اكتشفت هماني كذلك الجين المسؤول عن مرض يصيب العين يدعى "مايكروثتالني بوستيرين" مسؤول عن تقليص حجمها الخلفي، كما اكتشفت أيضا الجين المسؤول عن الإصابة بمرض الماء الأزرق، وهو أهم ثاني سبب لإصابة الإنسان بمرض فقدان البصر في العالم. وقد فازت بذلك على الجائزة العالمية "لوريال اليونسكو" للنساء والعلم عام 2012.
"قادت هماني بحوثا علمية حول العوامل الوراثية المسؤولة عن مرض الربو ومرض الصمم الوراثي وأمراض العين"
يذكر أن هذه الجائزة تم إطلاقها عام 1998 لتكريم النساء المتميزات في مجال علوم الحياة وعلوم المواد، وقد حصلت حتى اليوم 77 باحثة على هذه الجائزة، منهن سبع باحثات من العالم العربي.
أول مختبر وكان لهذه الجائزة العالمية دور في اكتشاف التونسيين اسمين آخرين في مجال البحث العلمي في تونس وهما أستاذة الفيزياء بكلية العلوم بتونس زهرة بن الأخضر التي فازت بالجائزة عام 2005، وأستاذة الطب الجيني بكلية الطب بتونس حبيبة شعبوني الحاصلة على الجائزة نفسها عام 2006.
وكان لزهرة بن الأخضر دور ريادي في إنشاء أول مختبر أفريقي للتحليل الذري الطيفي والجزيئي يعمل فيه باحثون تونسيون وعرب وأفارقة، وقد حصلت على الدكتوراه من جامعة "بيير وماري كوري" بباريس، وهي من أبرز الكفاءات العلمية العربية التي رفضت عروضاً مغرية للعمل في أوروبا، وعادت عام 1972 إلى تونس للمساهمة في بناء جيل جديد من الكفاءات العلمية، وكانت البلاد تفتقر آنذاك إلى أبسط مستلزمات البحث العلمي، وانصرفت بسبب ذلك إلى البحث النظري، ونشرت أكثر من ستين دراسة في المجلات العلمية الدولية.
أما حبيبة شعبوني فتعتبر رائدة في مجال حماية التونسيين من الأمرض الوراثية من خلال اهتمامها بحالات الأمراض الوراثية في أسر يكثر فيها زواج الأقارب، فأنشأت عام 1981 أول قسم للاستشارات حول الأمراض الجينية في مستشفى شارل نيكول أحد أكبر المستشفيات في البلاد قبل أن تؤسس قسم الأمراض الوراثية والخلقية عام 1993. وقد استطاعت تحديد الطفرات الجينية المسؤولة عن العديد من الأمراض الوراثية.
"تعتبر حبيبة شعبوني رائدة في مجال حماية التونسيين من الأمرض الوراثية من خلال اهتمامها بحالات الأمراض الوراثية في أسر يكثر فيها زواج الأقارب "
ويحتل اسم مديرة قسم علوم البيولوجيا في كلية العلوم بجامعة المنار الأستاذة أمال القعيد مكانة هامة في المشهد العلمي باعتبارها من النخبة المساهمة في البرامج الدولية لرسم خرائط جينية للبشر والكائنات الحية. وقد نشرت أكثر من 56 بحثاً في مجلات علمية مُحكمة.
وهذه الأسماء لا تمثل سوى أمثلة على مساهمة المرأة في تونس في مجال يهيمن عليه الرجال حتى في الدول المتقدمة. وهو يعكس نتائج عمل طويل المدى بدأ منذ عقود طويلة لتمكين المرأة من نفس الحظوظ في التعليم التي لدى الرجل. بل إن الوضع قد انقلب خلال العقد الماضي إلى حد أن نسبة الطالبات قد فاقت خلال السنة الماضية 60% من مجموع الطلبة في البلاد.
أما بالنسبة لمدرسي التعليم العالي فإن الوضع يسير في نفس الاتجاه بعد أن بلغت نسبة المعيدات في الجامعة 56% من مجموع الحاصلين على هذه الرتبة، بينما ما زالت نسبة النساء في رتبة أستاذ تعليم عال وهي أعلى رتب التدريس لا تتجاوز 15%. وبمقارنة هاتين النسبتين يتبين أن انقلابا ناعما سيحدث خلال العقدين القادمين ليصبح العنصر النسائي أكثر حضورا في إطار التدريس بالجامعات التونسية